magda Admin
عدد المساهمات : 117 تاريخ التسجيل : 06/11/2009
| موضوع: فتح مصـــــر : الخميس نوفمبر 19, 2009 3:45 am | |
|
فتح مصـــــر :
لما انتهى فتح المسلمين لبلاد الشام، وانتهى عمرو بن العاص من فتح فلسطين، استأذن عمرو بن العاص من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في السير إلى مصر للفتح، فوافق عمر وسيّره إليها، ثم أمده بالزبير بن العوام ومعه بسر ابن أرطأة وخارجة بن حذافة، وعمير بن وهب الجمحي، فالتقيا عند باب مصر، ولقيهم أبو مريم ومعه الأسقف أبو مريام وقد بعثه المقوقس من الإسكندرية، فدعاهم عمرو بن العاص إلى الإِسلام أو الجزية أو القتال، وأمهلهم ثلاثة أيام فطلبوا منه أن يزيد المدة فزادها لهم يوماً واحداً، ثم نشب القتال، فهزم أهل مصر، وقتل منهم عدد كبير، منهم الأرطبون الذي فر من بلاد الشام إلى مصر، والذي أجبر أهل مصر على المقاومة، وحاصر المسلمون عين شمس، وارتقى الزبير بن العوام السور، فلما أحس السكان بذلك انطلقوا باتجاه عمرو على الباب الآخر، إلا أن الزبير كان قد اخترق البلد عنوة ووصل إلى الباب الذي عليه عمرو، فصالحوا عمراً وأمضى الزبير الصلح، وقبل أهل مصر كلهم الصلح، إذ كان قد وجه عبد الله بن حذافة إلى عين شمس فغلب على أرضها وصالح أهل قراها على مثل صلح الفسطاط. ثم أرسل عمرو جيشاً إلى الإسكندرية حيث يقيم المقوقس، وحاصر الجيش المدينة، واضطر المقوقس إلى أن يصالح المسلمين على أداء الجزية واستخلف عمرو بن العاص عليها عبد الله بن حذافة. وانشئت مدينة الفسطاط مكان خيمة عمرو حيث بني المسجد الذي ينسب إليه الآن. وأقيمت البيوت حوله. وأرسل عمرو قوة إلى الصعيد بإمرة عبد الله سعد بن أبي سرح بناءً على أوامر الخليفة ففتحها، وكان الوالي عليها كما أرسل خارجة بن حذافة إلى الفيوم وما حولها ففتحها وصالح أهلها، وأرسل عمير بن وهب الجمحي إلى دمياط وتنيس وما حولهما فصالح أهل تلك الجهات. ثم سار عمرو بن العاص إلى الغرب ففتح برقة وصالح أهلها، وأرسل عقبة ابن نافع ففتح (زويلة) واتجه نحو بلاد النوبة، ثم انطلق عمرو إلى طرابلس الغرب ففتحها بعد حصار دامشهر، كما فتح (صبراته) و (شروس) ومنعه عمر بن الخطاب أن يتقدم أكثر من ذلك إلى جهة الغرب.
2- الجبهة الشرقية : كان الخلاف على الحكم قوياً في الدولة الفارسية الفرس كما كان الحكام على خلاف فيما بينهم، فلما غادر خالد بن الوليد العراق إلى الشام شعر الفرس بقلة من بقي من جند المسلمين هناك، فأرادوا النيل منهم وطردهم من أرض العراق، فأرسل شهريار ملك الفرس جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل لمحاربة جيش المسلمين بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني، إلا أن الفرس قد هزموا هزيمة منكرة أيضاً. طلب المثنى بن حارثة المدد من المدينة، إلا أن أخبار الصديق قد تأخرت عليه لانشغاله بقتال الشام الأمر الذي جعل المثنى يسير بنفسه إلى المدينة وقد خلّف وراءه على المسلمين بشير بن الخصاصية، فلما وصل إلى قاعدة الحكم وجد أبا بكر في آخر عهده وقد استخلف عمر من بعده. فلما رأى أبو بكر المثنى قال لعمر : إذا أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس لحرب أهل العراق مع المثنى، وإذا فتح الله على أمرائنا بالشام فاردد أصحاب خالد إلى العراق فإنهم أعلم بحربه. فلما مات الصديق ندب عمر المسلمين إلى الجهاد في أرض العراق، وأمر على المجاهدين أبا عبيد بن مسعود الثقفي حيث كان أول من لبى النداء ولم يكن من الصحابة، مع العلم أن عمر لم يكن ليولي إلا من كان صحابياً، وعندما سئل في هذا الأمر أجاب : إنما أؤمر أول من استجاب، إنكم إنما سبقتم الناس بنصرة هذا الدين، وإن هذا هو الذي استجاب قبلكم، ثم دعاه فوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً. وأمره أن يستشير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار المجاهدون إلى العراق. وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الوقت نفسه إلى أبي عبيدة في الشام أن يرسل من كان بالعراق ممن قدم مع خالد بن الوليد إلى العراق، فسيّرهم أبو عبيدة بعد فتح دمشق بإمرة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص. وأرسل عمر أيضاً مدداً آخر بقيادة جرير بن عبد الله البجلي قوامه أربعة آلاف، فسار باتجاه الكوفة، والتقى بقائد فارس فهزمه شر هزيمة وسقط أكثر جند الفرس في النهر.
معركة النمارق : بعث رستم جيشاً لقتال أبي عبيد فالتقى الطرفان في النمارق بين الحيرة والقادسية، وكان على خيل المسلمين المثنى بن حارثة، فهُزم الفرس، وولوا الأدبار، وساروا إلى (كسكر) فلحقهم أبو عبيد، ثم هزمهم ثانية بعد أن جاءتهم قوة داعمة لنصرتهم، وفرّ الفرس إلى المدائن.
معركة الجسر : بعد أن هزم الفرس في النمارق وما بعدها اجتمعوا إلى رستم، فأرسل جيشاً كثيفاً ومعهم راية (كسرى) وراية (أفريدون) التي تسمى (الدرفس) وسار هذا الجيش نحو المسلمين فالتقوا، وبينهم جسر، فقال الفرس : إما أن تعبروا إلينا، أو نعبر إليكم، فقال المسلمون لأبي عبيد : أمرهم أن يعبروا إلينا، فقال أبو عبيد : ما هم أجرأ منا على الموت بل نعبر إليكم، ثم اقتحم الجسر إليهم، وجرت معركة عنيفة بين الطرفين. وكانت فيلة الفرس تؤذي المسلمين حيث تخافها خيولهم الأمر الذي جعل أبا عبيد يأمر المسلمين بقتل الفيلة فقتلوها وكان بين الفيلة فيل عظيم هجم عليه أبو عبيد، فضرب خرطومه فاستدمى الفيل وصرخ وقتل أبا عبيد وبرك فوقه، وقتل القادة الذين تولوا أمر المسلمين بعد أبي عبيد، حتى جاء دور المثنى بن حارثة في الإمارة، وكان قد ضعف أمر المسلمين، وأرادوا التراجع، وعبر بعضهم الجسر، ولتزاحمهم عليه تحطم الأمر الذي جعل ظهور المسلمين للفرس وبدأ القتل فيهم حتى عظم، فقتل منهم من قتل، وغرق من غرق. فجاء المثنى ووقف عند مدخل الجسر يحمي المسلمين ليقطعوا الطريق ببطء فأصلحوا الجسر وعبروا خلاله، حتى انتهوا والمثنى وشجعان المسلمين يحمونهم. وقد وقعت هذه المعركة بعد معركة اليرموك بأربعين يوماً أي في شهر شعبان في السنة الثالثة عشرة للهجرة واختلف الفرس ثانية على الحكم إذ خلعوا رستم، ثم عادوا فولوه، وأضافوا إليه الفيرزان، وسار الفرس إلى المدائن فلحقهم المثنى، وهزم من اعترض سبيله منهم وأسر عدداً كبيراً ضرب أعناقهم، وطلب النجدة والمدد من أمراء المسلمين، فوافوه، كما كان قد وصل إليه جرير بن عبد الله البجلي ومن معه. ــــــــــــــــ معركة البويب : لما علمت الفرس باجتماع عدد من جيوش المسلمين بعثت جيشاً كثيفاً، والتقى الطرفان في مكان يقال له (البويب) قرب الكوفة، وطلبت الفرس أن يعبر المسلمون إليها، أو تعبر إليهم، فأجاب المثنى بأن يعبر الفرس فعبر وجرت معركة عنيفة هزمت فيها المجوس، وقتل منهم عدد كبير قتلاً وغرقاً في النهر، وكانت هذه المعركة عظيمة إذ اقتص فيها المسلمون من معركة الجسر ونالوا غنائم عظيمة، وقتل فيها قائد الفرس مهران، وكان ذلك في شهر رمضان من السنة الثالثة عشرة الهجرية. وبعد معركة البويب التي اقضت مضاجع الفرس اجتمع أمراؤهم على تمليك يزدجرد بن شهريار بن كسرى، واتفقوا على ذلك فيما بينهم، وأرسلوا بالخبر إلى إتباعهم في الأمصار كافة، الأمر الذي جعل المجوس وأنصارهم الذين صالحوا المسلمين وأظهروا الطاعة ينقضون العهد. وأخبر المسلمون بذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. حث عمر بن الخطاب المسلمين على الجهاد وخرج بنفسه على رأس الجيش من المدينة بعد أن ولّى مكانه علي بن أبي طالب واستصحب معه عثمان بن عفان وسادات الصحابة حتى وصل إلى ماء يقال له ( الصرار ) فعقد مجلساً استشارياً في الذهاب، وقد أرسل إلى علي أن يأتي من المدينة، فكلهم وافقه على رأيه إلا عبد الرحمن بن عوف فإنه قال له : إني أخشى إن كسرت أن تضعف أمر المسلمين في سائر أقطار الأرض، وإني أرى أن تبعث رجلا وترجع إلى المدينة، فمال عمر إلى هذا الرأي، ووقع الاختيار على سعد بن أبي وقاص قائداً للجيش، فأوصاه، وكتب إلى المثنى بن حارثة وجرير بن عبد الله البجلي في إطاعة سعد، كما أصبح جميع أمراء العراق تبعاً له، ولكن المثنى قد توفي قبل وصول سعد إذ انتقض عليه جرحه الذي أصابه يوم الجسر. اجتمع المسلمون في القادسية حسبما واعدهم سعد بن وقاص بناء على أوامر الخليفة عمر بن الخطاب، كما نصَّب الخليفة عبد الرحمن على القضاء ولما بلغ سعد ماء العذيب اعترضه جيش للفرس، فهزمه، وغنم منه غنائم كثيرة . ويبدو من هذه المعارك أن المسلمين كانوا يتوغلون في أعماق العدو دون تطهير كامل للمناطق الخلفية مما يجعل الفرس يستطيعون تحريك جيوشهم إلى قرب أماكن المعارك الأولى. معركة القادسية : ثم سار سعد حتى نزل القادسية، فمكث فيها شهراً لم ير فيه أثر للفرس، وكان يبث سراياه في كل الجهات، فكانت تأتيه بالغنائم الأمر الذي جعل الفرس وحلفائهم يتضايقون جداً، وأخبروا ملكهم ( يزدجرد ) بأنه إن لم ينجدهم فإنهم سيضطرون إلى تسليم ما بأيديهم إلى المسلمين أو يصالحونهم، وهذا ما جعل ( يزدجرد ) يدعو رستم ويؤمره على الحرب بجيش كثيف، وقد حاول رستم أن يعفيه الملك من ذلك وأبدى الأعذار بأن إرسال جيش كثيف واحد إلى المسلمين فيه شيء من الخطأ، وإنما من الصواب أن يرسل جيشاً إثر آخر لإضعاف المسلمين، إلا أن الملك قد أصر على إرساله بهذا الجيش اللجب الذي يبلغ قوامه مائة وعشرين ألفاً، ويكون مثلها مدداً لها. سار رستم وعسكر بساباط، وكان سعد يكتب في كل يوم إلى الخليفة حسب أوامره إليه، ولما اقترب رستم من المسلمين بعث إليه سعد جماعة من سادات المسلمين يدعونه إلى الله عز وجل وكان بينهم: النعمان بن مقرن، والمغيرة بن شعبة، والأشعث بن قيس، وفرات بن حبان، وعطارد بن حاجب، وحنظلة بن الربيع، وعمرو بن معد يكرب. فقال لهم رستم: ما أقدمكم ؟ فقالوا: جئنا لموعود الله إيانا، أخذ بلادكم وسبي نسائكم وأبنائكم وأخذ أموالكم، ونحن على يقين من ذلك. وقد تأخر رستم في الخروج من المدائن للقاء سعد في القادسية مدة أربعة أشهر عسى أن يضجر سعد ومن معه من المسلمين، كما أن رستم كان يعتقد أن النصر سكون حليف المسلمين لما يرى ويسمع عن معاركهم وأخلاقهم. وقد ضعفت معنويات رستم ومن معه بعد أن سمعوا كلام الوفد، وما فيه من ثقة بالله ويقين بالنصر. ولما اقترب الجيشان طلب رستم من سعد أن يبعث له رجلاً عاقلاً عالماً يجيبه عن بعض أسئلته، فأرسل له سعد المغيرة بن شعبة. فقال له رستم : إنكم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونكف الأذى عنكم، فارجعوا إلى بلادكم ولا نمنع تجارتكم من الدخول إلى بلادنا. فقال له المغيرة : إن ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة، وقد بعث الله إلينا رسولاً قال له : إني قد سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بديني فأنا منتقم بهم منهم، واجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به، وهو دين الحق، لا يرغب عنه أحد إلا ذل، ولا يعتصم به إلا عز. فقال له رستم : فما هو ؟ فقال : أما عموده الذي لا يصلح شيء منه إلا به فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، فقال : ما أحسن هذا ! وأي شيء أيضاً، قال : وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله.قال : وحسن أيضاً وأي شيء أيضاً ؟ قال : والناس بنو آدم، فهم إخوة لأب وأم، قال : وحسن أيضاً : ثم قال رستم : أرأيتم إن دخلنا في دينكم أترجعون عن بلادنا ؟ قال : إي والله ثم لا نقرب بلادكم إلا في تجارة أو حاجة. قال : وحسن أيضاً. وإن هذا الحديث قد زاد إلى أضعاف معنويات رستم والفرس، وزاد يقينهم في انتصار المسلمين، وزادت قناعتهم بهذا الدين الجديد حتى إن رستم قد ذاكر وجهاء قومه في الدخول في الإِسلام فأنفوا وأبوا فأخزاهم الله. وحاول رستم والفرس أن يلجؤوا إلى طريق الإغراء فزينوا مجلس رستم بالنمارق المذهبة والحرير، وأظهروا اللآلئ والياقوت والأحجار الكريمة الثمينة، والزينات العظيمة، وجلس رستم على سرير واسع من الذهب، وعليه تاج مرصع، ثم طلب رستم ثانية من سعد إرسال رجل آخر، فأرسل إليه ربعي بن عامر، فسار إليه بثياب صفيقة وأسلحة متواضعة وفرس صغيرة، ولم يزل راكبها حتى داست على الديباج والحرير، ثم نزل عنها وربطها في قطع من الحرير مزقها مما رأى أمامه، وأقبل على رستم وعليه سلاحه الكامل، فقالوا له : ضع سلاحك. فقال : إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فنقلوا ذلك لرستم فقال : ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق أكثرها، فقالوا له : ما جاء بكم ؟ فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإِسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله. قالوا : وما موعود الله ؟ قال : الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقي. فقال رستم: قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا ؟ قال : نعم ! كم أحب إليكم ؟ يوماً أو يومين ؟ قال : لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. فقال : ما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، فقال : أسيدهم أنت ؟ قال : لا! ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم. فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال : هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل ؟ فقالوا : معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه ؟ فقال : ويلكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل، ويصونون الأحساب. وبعث الفرس في اليوم الثاني يطلبون رجلا آخر يريدون أن يعرفوا نماذج من المسلمين، فهل كلهم على هذا اليقين وهذا الرأي ؟ علهم يجدون ثغرة يستطعون أن ينفذوا منها، فبعث إليهم سعد بن أبي وقاص رجلا آخر هو حذيفة بن محصن، فتكلم على النحو الذي تكلم فيه ربعي بن عامر. وتكرر الطلب في اليوم الثالث فأرسل إليهم سعد ثالثاً هو المغيرة بن شعبة. فقال رستم للمغيرة : إنما مثلكم في دخول أرضنا مثل الذباب رأى العسل. فقال : من يوصلني إليه وله درهمان؟ فلما سقط عليه غرق فيه، فجعل يطلب الخلاص فلم يجده، وجعل يقول : من يخلصني وله أربعة دراهم ؟ ومثلكم كمثل ثعلب ضعيف دخل حجراً في كرم، فلما رآه صاحب الكرم ضعيفاً رحمه فتركه، فلما سمن أفسد شيئاً كثيراً فجاء بجيشه، واستعان عليه بغلمانه فذهب ليخرجه فلم يستطع لسمنه فضربه حتى قتله، فهكذا تخرجون من بلادنا، ثم ازداد غضباً وحمقاً وأقسم بالشمس لأقتلنكم غداً. فقال المغيرة : ستعلم. فقال رستم للمغيرة : قد أمرت لكم بكسوة ولأميركم بألف دينار وكسوة ومركوب وتنصرفون عنا. فقال المغيرة : أبعد أن أوهنا ملككم وضعفنا عزكم، ولنا مدة نحو بلادكم ونأخذ الجزية منكم عن يد وأنتم صاغرون وستصيرون لنا عبيداً على رغمكم ؟ كان سعد بن أبي وقاص مريضاً لا يستطيع الركوب، لذا فقد جلس في القصر متكئاً على صدره فوق وسادة ينظر إلى الجيش يدبر أمره ويصدر تعليماته، وقد أعطى القيادة إلى خالد بن عرفطة، وكان على الميمنة جرير بن عبد الله البجلي وعلى الميسرة قيس بن مكشوح. بدأت المعركة بعد الظهيرة وبعد أن صلى سعد الظهر بالناس وخطب فيهم وحثهم على القتال، واستمر القتال حتى الليل، ثم استؤنف في اليوم الثاني ولمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع اشتد أثر الفيلة الفارسية على الجيش إذ كانت الخيول تنفر منها الأمر الذي جعل الصحابة يوجهون اهتمامهم اليها حتى قتلوها مع من عليها، وقد أبلى جرير بن عبد الله البجلي، والقعقاع بن عمرو، وطليحة الأسدي، وعمرو بن معد يكرب، وخالد بن عرفطة، وضرار بن الخطاب بلاء كبيراً، إذ كانوا يقلعون عيون الفيلة فتشرد بمن عليها ثم تقتل ويقتل أصحابها، فلما كان الزوال من ذلك الذي عرف بالقادسية وهو الاثنين الرابع عشر من شهر محرم من السنة الرابعة عشرة هبت ريح شديدة على الفرس فأزالت خيامهم وما كان منهم إلا الهرب. وقد قتل القعقاع بن عمرو التميمي وهلال بن علقمة التميمي رستم قائد الفرس، وفرّت جماعة منهم ولحقهم المسلمون حتى دخلوا وراءهم مدينة المدائن مركز الحكم ومقر يزدجرد بن شهريار. وقد قتل من الفرس في اليوم الرابع عشرة آلاف ومثلهم في الأيام السابقة، فكان مجموع القتلى عشرين ألفاً، وهو ما يقرب من ثلثي الجيش الفارسي، واستشهد من المسلمين في الأيام كلها ألفاً وخمسمائة شهيد، وغنم المسلمون غنائم كبيرة جداً، وأرسلت البشارة إلى أمير المؤمنين الذي كان في غاية الاهتمام بالمعركة حتى كان يخرج وحده أحياناً إلى خارج المدينة يسأل الركبان ويتقصى الأخبار حتى جاءه النبأ. وكانت المناطق التي فيها خالد بن الوليد من قبل قد نقضت العهد، فلما كانت معركة القادسية رجع أهلها إلى عهودهم وادعوا أن الفرس قد أجبروهم على ذلك النقض. ثم تقدم المسلمون بإمرة زهرة بن حوية أميراً إثر أمير نحو المدائن فالتقوا بجيش فارسي فهزموه، واتجه المنهزمون نحو بابل، وانطلقت جماعة أخرى نحو نهاوند، فاقام سعد في بابل عدة أيام ثم سار نحو المدائن، فالتقى بجيش آخر من الفرس فهزمه، وفي ساباط التقى بكتائب أخرى ليزدجرد أصابها كلها ما أصاب سابقتها، وقَتَل هاشم بن عتبة بن أبي وقاص أسد يزدجرد الذي وضع في الطريق لإخافة المسلمين، وكان ذلك في نهاية السنة الرابعة عشرة من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتحصن الفرس (بهرسير) وهي قرية من المدائن لا يفصل بينها سوى نهر دجلة بعد أن هزموا أمامها، إلا أن حصارهم لم يهن من عزيمة المسلمين، وكان أن فرّ الفرس إلى المدائن، وسار المسلمون وراءهم، فلما اقتربوا منها لاح لهم القصر الأبيض قصر كسرى. وكان المسلمون قد قطعوا نهر دجلة وكان في حالة فيضان كبير الأمر الذي جعل الفرس يخافون لقاء المسلمين ويهابونهم.
البقية تأتى
| |
|